بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا ابن آدم ..إنما أنت أيام
أ . د . محمد عبد العليم مرسي
إن الدين الإسلامي العظيم يعطي أهمية كبرى لعنصر الوقت في حياة الإنسان المسلم , فكل دقيقة في حياته, بل كل لحظة- في حقيقة الأمر- هو محاسب أمام الله عز وجل , يوم القيامة.
وهكذا, وكما يقول الشيخ القرضاوي , يسأل الإنسان عن عمره عامة , وعن شبابه خاصة , والشباب جزء من العمر , ولكن له قيمة متميزة , بإعتباره سن الحيوية الدافقة والعزيمة الماضية , ومرحلة القوة بين ضعفين : ضف الطفولة وضعف الشيخوخة كما قال الله تعالى : (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعف , ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبه يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) (الروم 54) .
ولبيان أهمية الوقت , أقسم الله تعالى , في مطالع سور عديدة من القرآن المكي بأجزاء معينة منه , مثل الليل والنهار , والفجر , والضحى , والعصر , كما في قوله تعالى : (والليل إذا يغشى, والنهار إذا تجلى) , (والفجر, وليال عشر) , (والضحى والليل إذا سجى) , (والعصر , إن الإنسان لفي خسر) .
ومن المعروف لدى المفسرين , وفي حسن المسلمين , أن الله عز وجل إذا أقسم بشئ من خلقه , فذلك ليلفت أنظارهم إليه , وينبههم على جليل منفعته وآثاره.
ومن هنا ...من هذا النبع الصافي , يتأكد لنا أن الفرد المسلم مسؤول عن كل شئ في حياته وأنه هناك تأكيدا في المسؤولية على عنصر الوقت بالتحديد لأنه سوف يسأل عنه مرتين فسؤال عن العمر عامة, وسؤال ثان عن الشباب خاصة , لأن مرحلة الشباب فيها القدرة على الصبر والتحمل والتضحية .
ثم إن الإنسان المسلم ينبغي أن يتيقن أن اللحظة التي تذهب من عمره لا تعود أبدا بل إن عمره يأخذ في التناقص منذ اللحظة التي يولد فيها , وهذه حقيقة ينبغي ألا تغيب عن البال , ومن هنا فإن عليه أن يستفيد منها قدر إستطاعته , تصديقا لما نقل عن الحسن البصري , في عبارته الواعية البليغة : (مامن يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا ابن آدم , أنا خلق جديد , وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني إذا قضيت لا أعود إلى يوم القيامة).
وقد كان السلف الصالح , ومن سار على نهجهم من الخلف و أحرص الناس على كسب الوقت وملئه بالخير سواء في ذلك عالمهم وعابدهم , فقد كانوا يسابقون الساعات ويبادرون اللحظات , ضنا منهم بالوقت وحرصا على أن لا يذهب منهم هدرا . وقال الحسن البصري: يا ابن آدم إنما أنت أيام , فإذا ذهب يوم ذهب بعضك , وقال أيضا : أدركت أقواما كانو على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم.
إن السلف الصالح كانوا أحرص ما يكونون على أوقاتهم , لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها , وكانوا يقولون : من علامات المقت ...إضاعة الوقت , كما كانوا يقولون : الوقت كالسيف ..إن لم تقطعه قطعك وكانوا يحاولون دوما الترقي من حال إلى حال أحسن منها , بحيث يكون يوم أحدهم ألإضل من أمسه وغده أفضل من يومه.
وكانوا يحرصون كل الحرص على الأ يمر يوم , أو بعض يوم أو برهة الزمان , وإن قصرت , دون أن يتزودوا منها بعلم نافع , أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس , أو إسداء نفع للغير , وذلك حتى لا تتسرب الأعمار سدى وحتى لا تضيع هباءا , وتذهب جفاء وهم لا يشعرون , وكانوا يعتبرون من كفران النعمة , ومن العقوق للزمن , أن يمضي يوم لا يستفسدون فيه لأنفسهم ولا للحياة من حولهم نموا في المعرفة , ونموا في الإيمان , ونموا في الصالحات .
بل لقد كان السلف الصالح يسمون الصلوات الخمس : (بميزان اليوم) ويسمون الجمعة (ميزان الإسبوع) ويسمون رمضان : (ميزان العام) , ويسمون الحج : (ميزان العمر) , حرصا على أن يسسلم لأحدهم يومه اولا , فإذا مضى اليوم كان همه في سلامة الإسبوع) و ثم في سلامة العام , ثم في سلامة العمر في النهاية , وذلك هو مسك الختام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منقول